فصل: السَّلَفُ فِي السِّلْعَةِ فِي غَيْرِ إبَّانِهَا تُقْبَضُ فِي إبَّانِهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.تَسْلِيفُ الثِّيَابِ فِي الثِّيَابِ:

قُلْت: وَكَذَلِكَ ثِيَابُ الْقُطْنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لَا يُسْلِفُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ؟
قَالَ: نَعَمْ إلَّا الْغِلَاظَ مِنْهَا الشَّقَايِقَ وَالْمَلَاحِفَ الْيَمَانِيَّةَ الْغِلَاظَ فِي الْمَرْوِيِّ وَالْهَرَوِيِّ وَالْقُرْقُبِيِّ وَالْعَدَنِيِّ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ إنْ أَسْلَمَ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الْكَتَّانُ رَقِيقُهُ كُلُّهُ وَاحِدٌ الْقُرْقُبِيُّ وَالشَّطَوِيُّ وَالْقَصَبِيُّ كُلُّهُ وَاحِدٌ، وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الزِّيَقَةِ وَالْمَرِيسِيَّةِ وَذَلِكَ أَنَّهَا غِلَاظٌ كُلُّهَا.
قُلْت: فَكَانَ مَالِكٌ لَا يُجِيزُ أَنْ يُسْلِمَ الْعَدَنِيَّ فِي الْمَرْوِيِّ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ عِنْدِي.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يُجِيزُ أَنْ يُسْلِمَ الشَّطَوِيَّ فِي الْقَصَبِيِّ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ لَا يَجُوزُ.
قُلْت: فَإِنْ أَسْلَمْت فُسْطَاطِيَّةً فِي مَرْوِيَّةٍ مُعَجَّلَةٍ وَمَرْوِيَّةٍ مُؤَجَّلَةٍ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمْت ثَوْبًا مِنْ غَلِيظِ الْكَتَّانِ مِثْلَ الزِّيَقَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ فِي ثَوْبٍ قَصَبِيٍّ إلَى أَجَلٍ، وَثَوْبٍ قُرْقُبِيٍّ مُعَجَّلٍ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْت الْفُسْطَاطِيَّ أَهُوَ مِنْ غَلِيظِ الْكَتَّانِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِي رَقِيقِ ثِيَابِ الْكَتَّانِ أَمْ لَا؟
قَالَ: الْفُسْطَاطِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْقَيْسِيِّ وَبِمَنْزِلَةِ الزِّيَقَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الثِّيَابِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْفُسْطَاطِيِّ الرَّقِيقِ الْمُرْتَفِعِ مِثْلِ الْمَعَافِرِيِّ وَمَا أَشْبَهَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُضَمُّ إلَى رَقِيقِ الْكَتَّانِ إلَى الشَّطَوِيِّ وَالْقَصَبِيِّ وَالْقُرْقُبِيِّ، وَعَلَى هَذَا يُنْظَرُ فِي ثِيَابِ الْكَتَّانِ.
قُلْت: فَلَوْ أَسْلَمْت فُسْطَاطِيَّةً فِي فُسْطَاطِيَّةٍ مُعَجَّلَةٍ وَمَرْوِيَّةٍ مُؤَجَّلَةٍ؟
قَالَ: فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْوِيَّةُ مُعَجَّلَةً وَالْفُسْطَاطِيَّة مُؤَجَّلَةً لَمْ يَصْلُحْ لِأَنَّهُ سَلَفٌ وَزِيَادَةٌ فُسْطَاطِيَّةٌ بِفُسْطَاطِيَّةٍ قَرْضٌ وَزِيَادَةٌ مَرْوِيَّةٌ لِمَا أَقْرَضْته فَهَذَا لَا يَصْلُحُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت ثَوْبًا فُسْطَاطِيًّا فِي ثَوْبٍ فُسْطَاطِيٍّ إلَى أَجَلٍ قَالَ: إنَّمَا يَنْظُرُ فِي هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ إلَى الَّذِي أَسْلَمَ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْمَنْفَعَةَ لِنَفْسِهِ فَالسَّلَمُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَسْلَفَهُ إيَّاهُ سَلَفًا لِلَّهِ وَمَنْفَعَةً لِصَاحِبِهِ الْمُسْتَسْلِفِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ.

.جَامِعُ الْقَرْضِ:

قُلْت: فَالْقَرْضُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الْبِطِّيخِ وَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَالرَّقِيقِ كُلُّهَا جَائِزَةٌ إلَّا فِي الْجَوَارِي وَحْدَهُنَّ؟
قَالَ: نَعَمْ الْقَرْضُ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إلَّا الْجَوَارِي وَحْدَهُنَّ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ الثَّوْبُ بِالثَّوْبَيْنِ مِنْ ضَرْبِهِ، كَالرَّايِطَةِ مِنْ نَسْجِ الْوَلَائِدِ بِالرَّايِطَتَيْنِ مِنْ نَسْجِ الْوَلَائِدِ وكالسابرية بالسابريتين وَأَشْبَاهِ هَذَا، فَهَذَا الَّذِي يَتَبَيَّنُ فَضْلُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيُخْشَى دَخْلَتُهُ فِيمَا أُدْخِلَ إلَيْهِ مِنْ الشُّبْهَةِ فِي الْمُرَاضَاةِ فَذَلِكَ أَدْنَى مَا أَدْخَلَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ الْفَسْخِ وَالْحَلَالُ مِنْهُ كَالرَّايِطَةِ السَّابِرِيَّةِ بِالرَّايِطَتَيْنِ مِنْ نَسْجِ الْوَلَائِدِ عَاجِلٌ بِآجِلٍ، فَهَذَا الَّذِي تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ وَعَسَى أَنْ يَبُورَ مَرَّةً السَّابِرِيُّ وَيَنْفُقُ نَسْجُ الْوَلَائِدِ وَيَبُورُ نَسْجُ الْوَلَائِدِ مَرَّةً وَيَنْفُقُ السَّابِرِيُّ، فَهَذَا الَّذِي لَا يُعْرَفُ فَضْلُهُ إلَّا بِالرَّجَاءِ وَلَا يَثْبُتُ ثُبُوتَ الرَّمَاءِ وَكَانَ هَذَا الَّذِي اقْتَاسَ بِهِ النَّاسُ ثُمَّ رَأَى فُقَهَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَاؤُهُمْ أَنْ يَنْهَوْا عَمَّا قَارَبَ مَا ذَكَرْت لَك مِنْ هَذَا وَاقْتَاسُوهُ بِهِ وَشَبَّهُوهُ بِهِ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ أَنَّهُ سَأَلَ بُكَيْرًا عَنْ الثَّوْبِ بِالثَّوْبَيْنِ فَقَالَ: إذَا اخْتَلَفَتْ الثِّيَابُ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَانَ الْبَيْعُ نَقْدًا أَوْ كَالِئًا، وَلَوْ كَانَتْ الثِّيَابُ شَيْئًا وَاحِدًا فَلَا يَصْلُحُ بَيْعُهَا إلَّا بِنَقْدِ الثَّوْبِ بِالثَّوْبَيْنِ لَا يُؤَخِّرُ مِنْ أَثْمَانِهَا شَيْءٌ.
قَالَ أَشْهَبُ: عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَابْنَ شِهَابٍ يَقُولَانِ: لَا يَصْلُحُ بَيْعُ الثَّوْبِ بِالثَّوْبَيْنِ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَاللَّيْثُ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَصْلُحُ ثَوْبَانِ بِثَوْبِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ.
قَالَ: مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ فِي ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ دَيْنًا قَالَ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ.
قَالَ بُكَيْر: وَقَالَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ رَبِيعَةَ فِي السِّلْعَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى عَبْدٌ بِعَبْدٍ أَوْ دَابَّةٌ بِدَابَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ يَتَعَجَّلَانِهِ وَتَزِيدُهُ فَضْلَ دَرَاهِمَ عَلَى الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.
قَالَ رَبِيعَةُ: إذَا بَاعَهُ عَرْضًا بِعَرْضٍ وَاشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ زِيَادَةَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ كَالِئَةً فَهُوَ حَلَالٌ.
قَالَ يُونُسُ: وَسَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ السِّلْعَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، عَبْدًا بِعَبَدٍ، أَوْ دَابَّةً بِدَابَّةٍ يَتَعَجَّلَانِهَا وَلِأَحَدِهِمَا فَضْلُ دَرَاهِمَ عَلَى الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ، الْجَمَلُ بِالْجَمَلِ يَدًا بِيَدِ، وَالدَّرَاهِمُ إلَى أَجَلٍ، وَلَا خَيْرَ فِي الْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ، الدَّرَاهِمُ نَقْدًا وَالْجَمَلُ نَسِيئَةً فَهُوَ رِبًا، وَإِنْ أَخَّرْت الْجَمَلَ وَالدَّرَاهِمَ فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ رِبًا لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَيْته إلَى أَجَلٍ فَرُدَّ إلَيْك مِثْلُهُ وَزِيَادَةٌ فَهُوَ رِبًا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ: وَأَخْبَرَنِي حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ عَنْ طَاوُسٍ بِنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ خَالِدِ بْن يَزِيد أَنْ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ كَانَ يَقُولُ بِنَحْوِ ذَلِكَ أَيْضًا.

.تَسْلِيفُ الطَّعَامِ فِي الطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ:

قُلْت أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ وَثَوْبٍ مَوْصُوفٍ أَيَبْطُلُ السَّلَفُ كُلُّهُ أَمْ يَجُوزُ مِنْهُ بِحِصَّةِ الثَّوْبِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَبْطُلُ ذَلِكَ كُلُّهُ.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَدَسًا فِي ثَوْبٍ إلَى أَجَلٍ وَشَعِيرٍ مُعَجَّلٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ.
قُلْت: وَلِمَ أَبْطَلَهُ مَالِكٌ؟
قَالَ: لِأَنَّ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ لَا يَصْلُحُ فِيهِ الْآجَالُ، فَإِذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ فَكُلُّ شَيْءٍ يُضَمُّ مَعَ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ أَوْ مَعَ الصِّنْفَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَكُونَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ الطَّعَامِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُؤَخِّرَ السِّلْعَةَ الَّتِي مَعَ الطَّعَامِ فِي الصَّفْقَةِ كَمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يُؤَخِّرَ الطَّعَامَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ إذَا صَرَفَ الرَّجُلُ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ وَمَعَ الدَّرَاهِمِ ثَوْبٌ أَوْ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ لَمْ يَصْلُحُ أَنْ يُؤَخِّرَ السِّلْعَةَ وَأَنْ يَتَعَجَّلَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ، وَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ مَعَ الذَّهَبِ أَوْ مَعَ الْفِضَّةِ أَوْ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ وَكَانَ تَبَعًا، وَكَمَا لَا يَصْلُحُ الذَّهَبُ بِالْفِضَّةِ إلَى أَجَلٍ، فَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ الْأَجَلُ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي تَكُونُ مَعَهَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَفْت ثَوْبًا فِي عَشَرَةِ أَرَادِب حِنْطَةً إلَى شَهْرٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ آخَرَ، وَأَسْلَفْت الثَّوْبَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَجَعَلْت آجَالَهَا مُخْتَلِفَةً كَمَا وَصَفْت لَك؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مُخْتَلِفَةً كَانَتْ آجَالُهَا أَوْ مُجْتَمِعَةً.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَنْ يُونُسَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا بَعْضُهُ حَلَالٌ وَبَعْضُهُ حَرَامٌ فَفَطِنَ لَهُ فَقَالَ: أَنَا أَضَعُ عَنْك الْحَرَامَ وَأُمْضِي لَك الْحَلَالَ، فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إنْ كَانَتْ الصَّفْقَةُ فِيهَا وَاحِدَةً تَجْمَعُهُمَا فَأَنَا أَرَى أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَتَا بَيْعَتَيْنِ شَتَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَفْقَةٌ عَلَى حِدَتِهَا فَأَنَا أَرَى أَنْ يُرَدُّ الْحَرَامُ وَيُجَازُ الْحَلَالُ.

.فِي الرَّجُلِ يُسْلِفُ الطَّعَامَ فِي الطَّعَامِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَفْت الْحِنْطَةَ فِي الْبُقُولِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ فِي الْبُقُولِ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا يُؤْكَلُ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ سَلَّفَ حِنْطَةً فِي قَصِيلٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ قُرْطٍ أَوْ فِيمَا يَعْلِفُ الدَّوَابَّ هَلْ يَجُوزُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ كَانَ يَحْصُدُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَكُون حَبًّا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ: لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَعَامٍ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَلَّفَ حِنْطَةً فِي حِنْطَةٍ مِثْلِهَا إلَى أَجَلٍ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ سَلَفًا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، فَالسَّلَفُ جَائِزٌ إلَى أَجَلِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ وَهَذَا عِنْدِي قَرْضٌ إلَى أَجَلٍ، فَأَمَّا أَنْ يُسْلِفَ الرَّجُلُ حِنْطَةً فِي حِنْطَةٍ مِثْلِهَا إلَى أَجَلٍ عَلَى وَجْهِ الْمُبَايَعَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ لِلْقَابِضِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ.
أَلَا تَرَى إلَى الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ: «الْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ».
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَفْت حِنْطَةً جَيِّدَةً فِي حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ إلَى أَجَلٍ أَسْلَفْت سَمْرَاءَ فِي مَحْمُولَةٍ أَوْ مَحْمُولَةً فِي سَمْرَاءِ إلَى أَجَلٍ أَوْ أَسْلَفْت صَيْحَانِيًّا فِي جُعْرُورٍ أَوْ جُعْرُورًا فِي صَيْحَانِيٍّ إلَى أَجَلٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّفْت حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ أَوْ شَعِيرًا فِي حِنْطَةٍ إلَى أَجَلٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ سَلَّفَ طَعَامًا فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقْرِضَ رَجُلٌ رَجُلًا طَعَامًا فِي طَعَامٍ مِثْلِهِ مِنْ نَوْعِهِ لَا يَكُونُ أَجْوَدَ مِنْهُ وَلَا دُونَهُ وَلَا يَكُونُ إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْمَنْفَعَةَ لِلَّذِي أَسْلَفَ فَهَذَا يَجُوزُ إذَا أَقْرَضَهُ إلَى أَجَلِهِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ قَالَ: لَا يَصْلُحُ أَنْ يُسْلِفَ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ إذَا كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ أَوْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ عَدًّا فَإِنَّهُ سَوَاءٌ لَا يَصْلُحُ الْأَجَلُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّفَ حِنْطَةً فِي عَسَلٍ أَوْ فِي بِطِّيخٍ أَوْ فِي قِثَّاءٍ أَوْ فِي صِيَرٍ أَوْ فِي جَرَادٍ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ مِمَّا يُؤْكَلُ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْت مِنْ سَلَّفَ حِنْطَةً فِي بُقُولٍ أَوْ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ فِي بُقُولٍ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا طَعَامٌ يُؤْكَلُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَفْت الْبَيْضَ فِي الْبَيْضِ أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: هَذَا مِثْلُ مَا وَصَفْت لَك مِنْ سَلَفِ الْحِنْطَةِ فِي الْحِنْطَةِ إنْ كَانَ أَسْلَفَهُ إيَّاهَا سَلَفًا فَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَفْت بَيْضًا فِي قُرْصِ خُبْزٍ أَوْ فِي تُفَّاحٍ أَوْ فِي الْفَاكِهَةِ الْخَضْرَاءِ أَوْ فِي الْبُقُولِ كُلِّهَا أَيَجُوزُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّ هَذَا طَعَامٌ كُلُّهُ.
قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرْتُك بِأَصْلِ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ الطَّعَامَ فِي الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِفَ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّوْعُ فِي مِثْلِهِ بِحَالِ مَا وَصَفْت لَك فِي السَّلَفِ فِي الْحِنْطَةِ عَلَى الْقَرْضِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ فِي مِثْلِهِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِي اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَظِرَةً فَقَالَ: الطَّعَامُ كُلُّهُ بِالطَّعَامِ رِبًا إلَّا يَدًا بِيَدٍ.
قَالَ: قُلْت: فَإِنِّي آتِي إلَى السَّقَّاط وَهُوَ الْبَيَّاعُ فَآخُذُ مِنْهُ الْفَاكِهَةَ بِالْحِنْطَةِ حَتَّى أَقْتَضِيَهُ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ خُذْ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ حَتَّى تُوَفِّيَهُ إيَّاهُ ثُمَّ خُذْ مِنْهُ دِرْهَمَك مَا بَدَا لَك ثُلُثَهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ مَا أَحْبَبْت مِنْهُ.

.السَّلَفُ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا يَقْبِضُهَا إلَى أَجَلٍ:

قُلْت: هَلْ يَجُوزُ لِي أَنْ أُسْلِفَ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا قَائِمَةٍ وَأَضْرِبَ لِأَخْذِهَا أَجَلًا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ.
قُلْت: لِمَ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ أُسْلِفَ فِي سِلْعَةٍ قَائِمَةٍ بِعَيْنِهَا وَأَضْرِبَ لِأَخْذِهَا أَجَلًا؟
قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ غَرَرٌ لَا يَدْرِي أَتَبْلُغُ تِلْكَ السِّلْعَةُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَمْ لَا، وَهُوَ يُقَدِّمُ نَقْدَهُ فَيَنْتَفِعُ صَاحِبُ تِلْكَ السِّلْعَةِ بِنَقْدِهِ، فَإِنْ هَلَكَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ قَبْلَ الْأَجَلِ كَانَ قَدْ انْتَفَعَ بِنَقْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَصِلَ السِّلْعَةُ إلَيْهِ فَهَذَا مُخَاطَرَةٌ وَغَرَرٌ.
قُلْت: فَإِنْ هُوَ لَمْ يُقَدِّمْ نَقْدَهُ؟
قَالَ: إذًا لَا يَصْلُحُ السَّلَفُ وَتَصِيرُ مُخَاطَرَةً كَأَنَّهُ زَادَهُ فِي ثَمَنِهَا إنْ بَلَغَتْ إلَى الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَهَا لَهُ وَهُوَ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ فَصَارَ جَمِيعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَوُجُوهُهَا إلَى فَسَادٍ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا بِهَذَا الثَّمَنِ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ ضَامِنٌ لَهَا إلَى الْأَجَلِ فَصَارَ لِلضَّمَانِ ثَمَنٌ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ تِلْكَ السِّلْعَةُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلضَّمَانِ ثَمَنٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: اضْمَنْ لِي هَذِهِ السِّلْعَةَ إلَى أَجَلٍ وَلَك كَذَا لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ مَالَهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْتَاعَهُ، وَلِأَنَّهُ غَرَرٌ وَقِمَارٌ، وَلَوْ عَلِمَ الضَّامِنُ أَنَّ السِّلْعَةَ تَمُوتُ أَوْ تَفُوتُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَضْمَنَهَا بِضَعْفِ مَا أَعْطَاهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمَضْمُونُ لَهُ أَنَّهَا تَسْلَمُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُضَمِّنَهَا إيَّاهُ بِأَقَلَّ مِمَّا ضَمَّنَهُ إيَّاهَا بِهِ أَضْعَافًا بَلْ لَمْ يَكُنْ يَرْضَ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا إنْ سَلِمَتْ أَخَذَ الضَّامِنُ مِنْ مَالِ الْمَضْمُونِ مَالًا بَاطِلًا بِغَيْرِ شَيْءٍ أَخْرَجَهُ وَإِنْ عَطِبَتْ غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهَا فِي غَيْرِ مَالٍ مَلَكَهُ، وَلَا كَانَ لَهُ أَصْلُهُ وَلَا جَرَّتْهُ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي حَمَّالٍ وَلَا مُعْتَمِلٍ.
وَقَالَ أَشْهَبُ، عَنْ مَالِكٍ: وَإِنْ اشْتَرَيْت سِلْعَةً بِعَيْنِهَا قَائِمَةً وَاشْتَرَطْت أَنْ يَقْضِيَهَا إلَى يَوْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ اشْتَرَطْتَهُ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ اشْتَرَطَهُ الْبَائِعُ عَلَيْكَ لِأَنَّ يَوْمَيْنِ قَرِيبٌ وَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كُنْتُمَا فِي سَفَرٍ وَكَانَ ذَلِكَ دَابَّةً فَلَكَ أَنْ تَرْكَبَهَا ذَيْنِك الْيَوْمَيْنِ وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بَعِيرًا لَهُ فِي سَفَرٍ مِنْ أَسْفَارِهِ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ وَشَرَطَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت سِلْعَةً بِعَيْنِهَا قَائِمَةً وَاشْتَرَطْت أَنْ أَقْبِضَهَا إلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الطَّعَامَ إلَى يَوْمَيْنِ يَكْتَالُهُ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَذَلِكَ الطَّعَامُ بِعَيْنِهِ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ السِّلَعُ كُلُّهَا عِنْدِي وَالسِّلَعُ أَبْيَنُ أَنْ لَا يَكُونَ بِهَا بَأْسٌ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ طَعَامًا فَأَعْطَاهُ الذَّهَبَ وَوَاعَدَهُ غَدًا يَكْتَالُهُ إيَّاهُ فَلَيْسَ هَذَا بِأَجَلٍ إنَّمَا هَذَا كَبَيْعِ النَّاسِ يَدًا بِيَدٍ بِالسُّوقِ وَيُعْطِيهِ ذَهَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَ طَعَامَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ طَعَامًا إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: وَمَا اشْتَرَى مِنْ الْحَيَوَانِ بِعَيْنِهِ غَائِبًا فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ الرِّبَا، وَهُوَ مِنْ أَبْوَابِ السَّلَفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْبَةً قَرِيبَةً جِدًّا، فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ مَأْمُونٌ وَلَا يُخْشَى مِنْهُ مَا يُخْشَى مِنْ الْبَعِيدِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يَقْضِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا يَشَاءُ وَلَكِنَّ حَذَرَ النَّاسِ وَشَفَقَتَهُمْ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ فَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ الثَّمَنَ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ حَيَّةً فَهِيَ لَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ فَاتَتْ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَانَ الثَّمَنُ سَلَفًا عِنْدَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِ وَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَشْتَرِي حَيَوَانًا غَائِبًا وَيُسْلِفُ ثَمَنَهُ بِمِثْلِ مَا يَشْتَرِي بِهِ إذَا لَمْ يَنْقُدْ ثَمَنَهُ لِأَنَّ الَّذِي يَتَسَلَّفُ مِنْهُ الثَّمَنَ يُصِيبُ مَرْفَقًا مِنْ أَجْلِ مَا يَضَعُ لِصَاحِبِهِ مِنْ الثَّمَنِ.

.السَّلَفُ فِي السِّلْعَةِ فِي غَيْرِ إبَّانِهَا تُقْبَضُ فِي إبَّانِهَا:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ سَلَّفَ رَجُلٌ فِي بِطِّيخٍ أَوْ فِي الرُّطَبِ أَوْ فِي الْقِثَّاءِ أَوْ فِي التُّفَّاحِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا يَنْقَطِعُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ سَلَّفَ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ فَاشْتَرَطَ الْأَخْذَ فِي إبَّانِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ.
قُلْت: فَإِنْ سَلَّفْت فِي إبَّانِهِ وَاشْتَرَطْت الْأَخْذَ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ.
قُلْت: فَإِنْ سَلَّفْت فِي غَيْرِ إبَّانِهِ وَاشْتَرَطْت الْأَخْذَ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُسْلِفَ فِي إبَّانِهِ وَيَشْتَرِطَ الْأَخْذَ فِي إبَّانِهِ أَوْ يُسْلِفَ فِيهِ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ وَيَشْتَرِطَ الْأَخْذَ فِي إبَّانِهِ.

.الرَّجُلُ يُسْلِفُ الرَّجُلَ فِي الطَّعَامِ الْمَضْمُونِ إلَى الْأَجَلِ الْقَرِيبِ:

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنِّي بِعْت عَبْدًا لِي مِنْ رَجُلٍ بِطَعَامٍ حَالٍّ وَلَيْسَ عِنْدَ الرَّجُلِ الَّذِي اشْتَرَى مِنِّي الْعَبْدَ طَعَامٌ وَلَكِنِّي قُلْت لَهُ: بِعْتُكَهُ بِمِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً جَيِّدَةً أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الطَّعَامَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ يُوَفِّيهِ إيَّاهُ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا إلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْ هَذَا.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَالْحَيَوَانُ وَالثِّيَابُ؟
قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَلَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ.
قَالَ: وَلَمْ أَقُلْ لِمَالِكٍ: بِدَنَانِيرَ وَلَا بِعَبْدٍ وَلَا ثِيَابٍ وَلَا بِشَيْءٍ، فَهَذَا كُلُّهُ عِنْدِي وَاحِدٌ بِمَا ابْتَاعَهُ بِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ أَوْ ثِيَابٍ فَهُوَ سَوَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ الْأَسْوَاقُ تَرْتَفِعُ وَتَنْخَفِضُ.
قَالَ: وَلَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَذْكُرُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا فِي طَعَامٍ مَضْمُونٍ إلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ قَالَ سَعِيدٌ: لَا إلَّا إلَى أَجَلٍ تَرْتَفِعُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ وَتَنْخَفِضُ.
قُلْت: وَمَا هَذَا الَّذِي تَرْتَفِعُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ وَتَنْخَفِضُ مَا حَدُّهُ؟
فَقَالَ: مَا حَدَّ لَنَا مَالِكٌ فِيهِ حَدًّا وَإِنِّي لَأَرَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْعِشْرِينَ يَوْمًا.
قَالَ: فَإِذَا بَاعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِعَرْضٍ فَهُوَ عِنْدِي سَوَاءٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ مِائَةَ إرْدَبٍّ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَدَفَعْتُ إلَيْهِ الدَّنَانِيرَ وَلَمْ يُرِنِي الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِعَيْنِهِ فَنَقَدَ رَأْسَ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ فَلَا خَيْرَ فِيهِ طَعَامًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ إذَا لَمْ تَكُنْ بِعَيْنِهَا إذَا كَانَ أَجَلُ ذَلِكَ قَرِيبًا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ مَضْمُونَةً لِأَنَّ هَذَا الْأَجَلَ لَيْسَ مِنْ آجَالِ السَّلَمِ، وَرَآهُ مَالِكٌ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ آجَالِ الْبُيُوعِ فِي السَّلَمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَى أَجَلٍ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ تَنْقُصُ وَتَرْتَفِعُ، فَإِنْ كَانَتْ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا وَكَانَ مَوْضِعُهَا قَرِيبًا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ فِيهِ وَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ فِي أَنْ يَنْقُدَهُ.

.فِي الْمُسْلَمِ إلَيْهِ يُصِيبُ بِرَأْسِ الْمَالِ عَيْبًا أَوْ يُتْلِفُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فِي حِنْطَةٍ وَأَصَابَهَا زُيُوفًا أَيُنْتَقَضُ السَّلَمُ بَيْنَنَا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُنْتَقَضَ السَّلَمُ وَيُبَدِّلُهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ ثَوْبًا فِي عَشَرَةِ أَرَادِب حِنْطَةً إلَى أَجَلٍ فَأَحْرَقَ رَجُلٌ الثَّوْبَ فِي يَدَيَّ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ إنَّمَا تَرَكَهُ وَدِيعَةً فِي يَدِهِ بَعْدَمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ فَأَرَى قِيمَتَهُ لَهُ عَلَى مَنْ أَحْرَقَهُ يَوْمَ حَرْقِهِ، وَالسَّلَمُ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى أَحْرَقَهُ رَجُلٌ وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ الَّذِي أَحْرَقَ الثَّوْبَ بِقِيمَةِ الثَّوْبِ وَيَكُونُ السَّلَمُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ.
قُلْت: فَإِنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ حَيَوَانًا أَوْ دُورًا فِي طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فَلَمْ يَقْبِضْ الْحَيَوَانَ مِنِّي حَتَّى قَتَلَهُ رَجُلٌ فَأَرَادَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ الَّذِي قَتَلَ الْحَيَوَانَ وَيُخَيِّرُ الْمُسْلِمَ هَلْ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: ذَلِكَ لَازِمٌ لِلَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ عِنْدَ مَالِكٍ إنْ شَاءَ وَإِنْ أَبَى لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ فِي الْحَيَوَانِ مِنْهُ وَالسَّلَمُ لَازِمٌ جَائِزٌ لِلْبَائِعِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ دُورًا أَوْ أَرَضِينَ فِي طَعَامٍ أَوْ عُرُوضٍ إلَى أَجَلٍ فَهَدَمَ الدَّارَ رَجُلٌ أَوْ حَفَرَ الْأَرَضِينَ فَأَفْسَدَهَا كَانَ ضَمَانُهَا مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَالسَّلَمُ جَائِزٌ.
قَالَ: نَعَمْ، وَالْعُرُوضُ الَّتِي يَغِيبُ عَلَيْهَا النَّاسُ لَيْسَتْ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَهِيَ مِنْ الَّذِي لَهُ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَإِنْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ انْتَقَضَ السَّلَمُ إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَالسَّلَمُ يُنْتَقَضُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت فِي حِنْطَةٍ فَلَمَّا افْتَرَقْنَا أَصَابَ رَأْسُ الْمَالِ نُحَاسًا أَوْ زُيُوفًا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَجَاءَ لِيُبَدِّلَ أَيُنْتَقَضُ السَّلَمُ أَمْ لَا؟
قَالَ: يُبَدِّلُهَا وَلَا يُنْتَقَضُ سَلَمُك.
قَالَ أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَكُونَا عَمِلَا عَلَى ذَلِكَ لِيُجِيزَا بَيْنَهُمَا الْكَالِئَ بِالْكَالِئِ فَيَنْفَسِخَ.
قُلْت: وَلِمَ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَ رَأْسَ مَال السَّلَفِ وَلَا يَقْبِضَهُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا قَدْ مَكَثَ شَهْرَيْنِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَهِيَ رَصَاصٌ فَهَذَا قَدْ فَارَقَهُ مُنْذُ شَهْرَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ؟
قَالَ: لَا يُشْبِهُ هَذَا الَّذِي فَارَقَ صَاحِبَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ فَأَقَامَ شَهْرًا ثُمَّ جَاءَ يَطْلُبُ رَأْسَ الْمَالِ لِأَنَّ هَذَا لَهُ أَنْ يَقْبَلَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ الزُّيُوفَ وَالرَّصَاصَ فَأَجَازَهَا وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُبْدِلَهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ السَّلَفُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي ذَكَرْت لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا حَتَّى افْتَرَقَا وَحَتَّى مَكَثَا شَهْرًا فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت دَرَاهِمَ فِي عُرُوضٍ أَوْ طَعَامٍ فَأَتَانِي الْبَائِعُ بِبَعْضِ الدَّرَاهِمِ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ أَيَّامٍ فَقَالَ: أَصَبْتهَا زُيُوفًا، فَقُلْت: دَعْهَا فَأَنَا أُبْدِلُهَا لَكَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ أَوْ عُرُوضٍ فَلَمْ يَنْقُدْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ لَهُ: سَأُبْدِلُهَا لَك بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ؟
قَالَ: أَرَى ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يَصْلُحُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي السَّلَمِ أَنْ يُؤَخِّرَ رَأْسَ الْمَالِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ فَكَذَلِكَ هَذَا أَيْضًا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ جَاءَ يُبْدِلُهَا فَقَالَ: الَّذِي دَفَعَ الدَّرَاهِمَ دَفَعْتهَا إلَيْك جِيَادًا وَأَنْكَرَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ.
وَقَالَ: هِيَ هَذِهِ وَهِيَ رَصَاصٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي سَلَّفَ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ مَا أَعْطَى إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَخَذَهَا الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ عَلَى أَنْ يُرِيَهَا فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَخَذَهَا عَلَى أَنْ يُرِيَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَعَلَى رَبِّ السَّلَفِ أَنْ يُبْدِلَهَا لَهُ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ.

.فِيمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يُسْلَمَ لَهُ فِي طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَنْ بَيْعٍ أَوْ مَنْ قَرْضٍ فَقُلْت لَهُ: أَسْلِمْهَا إلَيَّ فِي طَعَامٍ فَفَعَلَ أَيَجُوزُ هَذَا؟
قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الذَّهَبُ فَيَسْأَلُهُ أَنْ يُسْلِفَهَا لَهُ فِي سِلْعَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَهَا.
قُلْت: لِمَ قَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَخَّرَهُ عَلَيَّ وَجْهِ الِانْتِفَاعِ فَيَصِيرَ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً وَيُخَافُ فِيهِ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَيَكُونُ الرَّجُلُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ يُعْطِيهِ الدَّيْنَ مِنْ عِنْدَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ قُلْت لَهُ اشْتَرِ لِي بِهَا سِلْعَةً أَيَجُوزُ أَمْ لَا؟
قَالَ: إنْ كَانَ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ حَاضِرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَا غَائِبَيْنِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي رَجُلٍ يَكْتُبُ إلَى الرَّجُلِ: أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ سِلْعَةً فِيمَا قِبَلِهِ فَيَفْعَلَ وَيَبْعَثَ بِهَا إلَيْهِ، فَإِذَا بَعَثَ بِهَا إلَيْهِ كَتَبَ الَّذِي اشْتَرَاهَا فَيَسْأَلُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِتِلْكَ الذَّهَبِ الَّذِي اشْتَرَى لَهُ بِهَا بَعْضَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهَذَا وَهَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ.
قُلْت لِمَالِكٍ: فَلَوْ أَنَّ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ شَيْئًا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَ فِي ذَلِكَ وَكِيلًا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ لِي عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَقُلْت لَهُ: أَسْلِمْهَا لِي فِي طَعَامٍ أَوْ عَرْضٍ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَا يُعْجِبُنِي حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ دَرَاهِمَهُ وَيَبْرَأَ مِنْ التُّهْمَةِ ثُمَّ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ إنْ شَاءَ فَيُسَلِّمَهَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قُلْت: مَا كَرِهَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: خَوْفَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ كَانَ لَهُ عَلَى غَرِيمٍ كَانَ نَقْدًا ثُمَّ لَمْ يَقْبِضْهُ أَوْ إلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ فَأَخَّرْتَهُ عَنْهُ وَزَادَكَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ رِبًا؟
قَالَ: وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ لَك عَلَى غَرِيمٍ كَانَ نَقْدًا فَلَمْ تَقْبِضْهُ أَوْ إلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ فَلَا تَبِعْهُ بِشَيْءٍ وَتُؤَخِّرُهُ عَنْهُ، فَإِنَّك إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرْبَيْتَ عَلَيْهِ وَجَعَلْتَ رِبَا ذَلِكَ فِي سِعْرٍ بَلَغَهُ لَك لَمْ يَكُنْ لِيُعْطِيَكَهُ إلَّا بِنَظِرَتِكَ إيَّاهُ، وَلَوْ بِعْتَهُ بِوَضِيعَةٍ مِنْ سِعْرِ النَّاسِ لَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَابُ رِبًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْكَ فَيَنْقُدَكَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ مِثْلَ الصَّرْفِ وَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهُ يَوْمًا وَلَا سَاعَةً فَافْهَمْ هَذَا.

.(فِيمَنْ سَلَّفَ فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَأَخَذَ فِي مَكَانِهِ مِثْلَهُ):

فِيمَنْ سَلَّفَ فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَأَخَذَ فِي مَكَانِهِ مِثْلَهُ مِنْ صِنْفِهِ أَوْ بَاعَ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت إلَى أَجَلٍ فِي طَعَامِ مَحْمُولَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذْت مِنْهُ سَمْرَاءَ مِثْلَ مَكِيلَتِهِ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ بِعْته طَعَامًا مَحْمُولَةً دَفَعْتهَا إلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ أَيَجُوزُ لِي أَنْ آخُذَ بِالْمِائَةِ الدِّينَارِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ سَمْرَاءَ مِثْلَ مَكِيلَةِ الْمَحْمُولَةِ الَّتِي بِعْت؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا لِأَنَّ هَذَا أَخَذَ مِنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ طَعَامًا فَلَيْسَ هَذَا بِإِقَالَةٍ.
قُلْت: وَيَفْتَرِقُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إذَا أَسْلَمْت إلَيْهِ فِي الْمَحْمُولَةِ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذْت مِنْهُ سَمْرَاءَ مِثْلَ مَكِيلَةِ الْمَحْمُولَةِ جَوَّزَهُ لِي مَالِكٌ، فَإِذَا بِعْته طَعَامًا إلَى أَجَلِ مَحْمُولَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذْت مِنْ دَنَانِيرِي مِثْلَ مَكِيلَةِ الْمَحْمُولَةِ سَمْرَاءَ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ.
قَالَ: قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ يَفْتَرِقُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ فِي السَّلَمِ إنَّمَا كَانَ لَك عَلَيْهِ طَعَامُ سَمْرَاءَ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذْتَ بِهَا بَيْضَاءَ فَكَأَنَّكَ بَادَلْتَهُ بِهَا يَدًا بِيَدٍ وَاَلَّذِي بَاعَ الْبَيْضَاءَ بِالدَّنَانِيرِ إلَى أَجَلٍ فَأَخَذَ بِثَمَنِهَا سَمْرَاءَ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ مَكِيلَتِهَا فَإِنَّمَا أَلْغَى الثَّمَنَ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ بَيْضَاءَ بِسَمْرَاءَ إلَى أَجَلٍ، وَكَذَلِكَ التَّمْرُ الْعَجْوَةُ وَالصَّيْحَانِيُّ وَالْبَرْنِيُّ وَالزَّبِيبُ أَسْوَدُهُ وَأَحْمَرُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ بَاعَهُ الطَّعَامَ بِالدَّنَانِيرِ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ فِي قَضَائِهِ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ كَانَ مِنْ صِنْفِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسْلِفَ الطَّعَامَ الَّذِي اشْتَرَى فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَدْنَى؟
قَالَ: وَإِنْ كَانَ مِنْ سَلَمٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَأَخَذَ مِنْ مَحْمُولَةٍ سَمْرَاءَ مِثْلِ مَكِيلَتِهَا فَإِنَّمَا هَذَا رَجُلٌ أَبْدَلَ طَعَامًا يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمْت فِي حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذْت سَمْرَاءَ أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ أَسْلَمْت فِي سَمْرَاءَ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذْت مَحْمُولَةً أَوْ شَعِيرًا؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ كُنْت أَسْلَفْت فِي شَعِيرٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذْتَ سَمْرَاءَ أَوْ مَحْمُولَةً؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: وَلَا يَرَى هَذَا بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ؟
قَالَ: لَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَأَخَذْت بَعْضَ هَذَا مِنْ بَعْضِ مِثْلِ الَّذِي ذَكَرْت لِي وَأَخَذْتَ مِثْلَ مَكِيلَتِهِ فَإِنَّمَا هَذَا بَدَلٌ وَلَيْسَ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ.
قَالَ: وَلَا خَيْرَ فِي هَذَا قَبْلَ الْأَجَلِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَالدَّقِيقُ؟
قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ قَرْضٍ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدَّقِيقِ يَقْتَضِي مِنْ السَّمْرَاءِ أَوْ الْمَحْمُولَةِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمْت فِي أَلْوَانِ التَّمْرِ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذْت غَيْرَ اللَّوْنِ الَّذِي أَسْلَمْت فِيهِ أَهُوَ مِثْلُ مَا ذَكَرْت مِنْ أَلْوَانِ الطَّعَامِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمَ فِي لَحْمٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ شَحْمًا أَوْ أَسْلَفَ فِي لَحْمِ الْمَعْزِ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ لَحْمَ ضَأْنٍ أَوْ لَحْمَ إبِلٍ أَوْ لَحْمَ بَقَرٍ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت: لِمَ جَوَّزَ مَالِكٌ ذَلِكَ أَلَيْسَ هَذَا بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ قَالَ: لَيْسَ هَذَا بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ لِأَنَّ هَذَا نَوْعٌ وَاحِدٌ عِنْدَ مَالِكٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَحْمَ الْحَيَوَانِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَهُوَ إذَا أَخَذَ مَكَانَ مَا سَلَّفَ فِيهِ مِنْ لَحْمِ الضَّأْنِ لَحْمَ مَعْزٍ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ أَوْ سَلَّفَ فِي شَحْمٍ فَأَخَذَ مَكَانَهُ لَحْمًا فَكَأَنَّهُ أَخَذَ مَا سَلَّفَ فِيهِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّفَ فِي مَحْمُولَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ مَكَانَهَا سَمْرَاءَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّفَ فِي حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ مَكَانَهَا شَعِيرًا؟
قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكُلُّ هَذَا إنَّمَا يَجُوزُ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ بِنَوْعِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَلَا بِمِثْلِ كَيْلِهِ وَلَا صِفَتِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ لِأَنَّهُ إنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمِثْلِ كَيْلِهِ وَصِفَتِهِ صَارَ ذَلِكَ حَوَالَةً، وَالْحَوَالَةُ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ، فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْتَالَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ الَّذِي سَلَّفَ فِيهِ عَلَى غَيْرِ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَبَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ.
قُلْت: وَلِمَ جَوَّزَ مَالِكٌ أَنْ يَبِيعَ هَذَا اللَّحْمَ الَّذِي حَلَّ أَجَلُهُ بِشَحْمٍ مَنْ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ بَعْدَمَا حَلَّ الْأَجَلُ؟
قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا كُنْت إنَّمَا تَبِيعُ ذَلِكَ مِنْ الَّذِي لَك عَلَيْهِ السَّلَفُ بَعْدَمَا حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّمَا ذَلِكَ بَدَلٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُبْدِلَ الرَّجُلُ اللَّحْمَ بِالشَّحْمِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَلَا يَكُونُ هَذَا بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ لِأَنَّهُ مِنْ نَوْعِهِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَسْلَمْت فِي طَعَامِ مَحْمُولَةٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَخُذْ بِهِ إنْ شِئْت سَمْرَاءَ وَإِنْ شِئْت شَعِيرًا وَإِنْ شِئْت سُلْتًا مِثْلَ مَكِيلَتِك يَدًا بِيَدٍ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ كُنْت أَقْرَضْت مَحْمُولَةً فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذْت مِنْهُ سَمْرَاءَ مِثْلَ مَكِيلَتِك الَّتِي أَقْرَضْتَهُ يَدًا بِيَدٍ أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ حِينَ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَلَا خَيْرَ فِيهِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ فِي سَلَفٍ وَلَا بَيْعٍ وَإِنْ كُنْت إنَّمَا بِعْتَهُ طَعَامًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ طَعَامًا مِثْلَهُ فِي صِفَتِهِ وَكَيْلِهِ إنْ كُنْتَ بِعْتَهُ مَحْمُولَةً فَمَحْمُولَةً وَإِنْ سَمْرَاءَ فَسَمْرَاءَ وَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا بِعْتَهُ مَحْمُولَةً إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَرَدْت أَنْ تَأْخُذَ بِثَمَنِ الطَّعَامِ الَّذِي لَك عَلَيْهِ سَمْرَاءَ أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا مِثْلَ مَكِيلَتِك الَّتِي بِعْته، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ لِأَنَّك قَدْ أَخَذْت بِثَمَنِ الطَّعَامِ طَعَامًا غَيْرَ الَّذِي بِعْته فَكَأَنَّك بِعْته الْمَحْمُولَةَ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ سَمْرَاءَ إلَى أَجَلٍ أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا وَالثَّمَنُ مُلْغًى فِيمَا بَيْنَكُمَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ كُنْت إنَّمَا بِعْته السَّمْرَاءَ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذْت مِنْهُ مَحْمُولَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا بِالثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي تَأْخُذُ دُونَ الَّذِي أَعْطَيْتَهُ لِأَنَّكَ كَأَنَّكَ أَعْطَيْتَهُ سَمْرَاءَ يَضْمَنُهَا إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ مَحْمُولَةً إذَا حَلَّ الْأَجَلِ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي التَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ وَالْبَرْنِيِّ وَأَلْوَانِ التَّمْرِ بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْتُ لَكَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَأَلْوَانِهَا فِي اقْتِضَاءِ الطَّعَامِ مِنْ الطَّعَامِ قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: وَالزَّبِيبُ الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ كَذَلِكَ أَيْضًا مِثْلُ مَا وَصَفْت لَك مِنْ التَّمْرِ وَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَقَدْ خَافَ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي تَسْلِيفِ الدَّنَانِيرِ فِي عَرْضٍ إنْ قَالَ: وَمِمَّا يُشْبِهُ الرِّبَا أَنْ يُسْلِفَ الرَّجُلُ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فِي إبِلٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ سِلْعَةٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا حَلَّتْ سِلْعَتُك أَخَذْت بِهَا مِنْ بَيْعِك ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا أَكْثَرَ مِمَّا كُنْت سَلَّفْتَهُ.
قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَأَنَا أَخْشَى أَيْضًا إذَا أَخَذْت أَقَلَّ مِمَّا أَعْطَيْته الذَّرِيعَةَ وَالدَّخِلَة فَإِمَّا أَنْ تَأْخُذَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْت فَإِنَّمَا تِلْكَ إقَالَةُ وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّكَ كَأَنَّكَ أَسْلَفْتَ ذَهَبًا فِي ذَهَبٍ أَوْ وَرِقًا فِي وَرِقٍ وَأَلْغَيْتَ السِّلْعَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَهِيَ الْأَثْمَانُ وَلَيْسَتْ بِمَثْمُونَةٍ، فَكَيْفَ بِمَا يُشْتَرَى وَهُوَ مَثْمُونٌ؟
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَنْهَيَانِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ طَعَامًا بِذَهَبٍ إلَيْهِ أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِي بِتِلْكَ الذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا قَالَ مَالِكٌ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ مِثْلَهُ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي إمْرَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ أَمَّرَ رَجُلًا وَكَّلَهُ فِي تَقَاضِي دَيْنٍ لِرَجُلٍ تُوُفِّيَ مِنْ ثَمَنِ طَعَامٍ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ طَعَامًا، وَقَالَ ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَبُكَيْر بْنُ الْأَشَجِّ وَأَبُو الزِّنَادِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِثْلَهُ، وَقَالُوا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ بِالثَّمَرِ إلَى أَجَلٍ فَمِنْ هَاهُنَا أَكْرَهُهُ.
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَ طَعَامِك أَوْ عَرْضًا مَكَانَ الثَّمَنِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَهُ وَقَالَ: لَا إلَّا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ مَكِيلَةً بِمَكِيلَةٍ.